لا تَتوقفُ القهوةُ بأسرِ حواسِنَا بِرائحتِها الذّكية وطَعمِها السّاحر في كلّ جلسةٍ, بَل إنّها اليوم تَتجاوَز حُدودها وتُذهل أبَصارنا أيضاً بِلوحاتِ فَنّ اللاتيه المُبهرة التي خلقَت تنافساً جديداً يُنعش الإبداع في عمليةِ صناعةِ القهوة, وتُدخل السّعادةِ لقُلوبِ الجَميعِ بِمُجرّدِ النّظرِ إليها. فِي هذا المَقال سَنَتحَدث عَن فَنّ اللاتِيه, تاريخهِ, وبَعضِ الحيلِ والنّصائحِ لصنعِ قهوتك الخَاصة في المنزلِ, وإبهارِ مَن حَولك.
● تعريف فن اللاتيه:
فَنّ اللاتيه هو الفَنّ الذي يُعنَى بِرسمِ الأَشكالِ والتَصاميمِ على القَهوة باستخدامِ الاسبريسو والحَليبِ المُبَخّر. وإنّ عملية صُنعهِ ليست بِتلك السّهولة, حيثُ تَتطلّبُ شُروطاً صعبةً خِلال تَحضيرِ الاسبريسو والحليب, وتَعتمدُ بشكلٍ كبيرٍ على خِبرة البَاريستا ومَهاراتُه, فكلّ خطوة مِن خَطواتِ الرّسمِ تَحتاجُ تأنياً ورفقاً كبيراً, وبَالأخصّ عَمليةِ سَكبِ الحليبِ التي تُشكلّ تَحدياً لرسّامِ اللاتيهِ. كما يَعتمدُ نجاح الرّسم أيضاً على آلةِ الاسبريسو وجودَتِها, بغرضِ خلقِ تَناغمٍ وتوازنٍ جيد بينَ عُنصري القهوة والحليب.
● تاريخ فن اللاتيه:
تطوّر فَنُّ اللاتيه بشكلٍ مستقلٍ بينَ البلدانِ من حولِ العالمِ, بَعد ظهورِ الاسبريسو ودراسةِ قوامِ الحليبِ لخلّقِ الرغوة المخملية أو ما يعرف بالمايكروفوم.
كَانت إيطاليا أوّل مَن جَمَعَ بينِ الكريمة والمايكروفوم بنسبةٍ تَسمَحُ بظهورِ الرسومِ على سَطحِ القَهوةِ, ونَقلَها باريستا أمريكي يُدعى ديفيد شويمر وصَاحِب مَقهى Espresso Vivace الكائن في مدينة سِياتل, إلى الولايات المتحدة الأمريكية حَيثُ تَطوّرت ونَمت بِشكلٍ كَبيرٍ بَين عاميّ 1980 - 1990 وتمّ ابتكِار رسوم وتصاميمَ عديدة لاقَت شهرةً واسعةً: كَرسمةِ القلب, رسمة التوليب, رسمة البجعة ورسمة الروزيت وغيرها.
قَدّم شويمر لاحقاً دورةً تدريبيةً فِي مَجالِ فنّ اللاتيه نَقل فيهِ خِبرته وتجربتهُ للمهتمّين في هذا الفَنّ, كَما اكتَسَبَ عَلاقَات عديدة مع باريستا إيطاليين مثل لويجي لوبي الذي تبادلَ مَعه الأفكار والابتكارات. وهكَذا انتَشَر الفنّ حول العالم تدريجياً ونالَ رواجاً لَم يزل أثره حاضراً لليوم.
واليوم تُقامُ سَنوياً البُطولة العالمية للقهوة WCC, حيثُ يتنافسُ الباريستا المحترفين مِن حَولِ العَالم ضِمن أَربع فئاتٍ هي: بُطولة فن اللاتيه العالمية، بطولة إعداد القهوة بروح طيبة، بطولة تحميص القهوة العالمية، وبطولة جذوة/إبريق لصناعة القهوة التقليدية . والهَدف من هذهِ البطولة هو إثبات جَدارتهم وتَبادلِ الخبرات والإلهام وتَكريسها في تَطويرِ الفنّ وابتكارِ لوحاتٍ ساحرة خلّاقة.
● الأسرار والأساليب:
يعتمدُ رسمِ اللاتيه على مزجِ مادتين غرويتين: الكريمة المُستحلبَة مِن القَهوة المخمّرة والمايكروفوم وهو رغوة الحليب المكثف. لا يَدومُ رسمُ اللاتيه سِوى لفترةٍ وجيزةٍ فقط حيثُ تَنفصلُ الكريمة عن الاسبريسو وينفصل المايكروفوم إلى رغوةٍ جافةٍ وحليبٍ سائل خلال بضع ثوانٍ.
بعد صناعة الرّغوة وسَكبِها مَع الاسبريسو, يكتسبُ سَطح القهوة لوناً بُنيّاً فاتحاً, ثمّ نُضيفُ الحليب المكثف فَتنفَصلُ الرغوَةُ البيضَاء عن الحليبِ وتَرتَفعُ للسَطحِ. وهُناك نَمطين يستخدِمُهما خُبراءُ الباريستا لخلقِ الأشكالِ عَلى سَطحِ الفُنجانِ:
الأول هو السّكب: حَيثُ يَقومُ الباريستا بإمالةِ الكَأسِ إمّا بشكلٍ مستوي أو مائلٍ في اتجاهٍ واحدٍ ثمّ يقومُ بتحريكِ الإبريقِ لرسمِ الشّكلِ على السّطحِ. أشيع الأشكالِ التي تُصنعُ بهذا الأسلوب هو شَكل القَلبِ و الروزيتا أو الروزيت.
أمّا النمطُ الثاني فهو النّقش: الذي يُستخَدَم فيها عصا صغيرة لنقّشِ الرّسمِ بَعد صبّ الحليبِ, وتترَاوحُ الأشكالُ المنقوشة مِن الأشكال الهندسية البسيطة إلى الرُسوماتِ المُعقدة كَصورِ الحيواناتِ والزهورِ. هناك بعضُ المقاهي التي تَستخدمُ طريقةَ صبّ الشوكولاته السّائلة على إطارٍ معدنيّ مُفرّغ فَوقَ سَطحِ الكابتشينو لخلّقِ الرسم بسهولة. وبشكلٍ عام تعدّ طريقة النقش أسرع وأكثر كفاءة لخدمة أعدادٍ كبيرة مِن الزّبائن في نفسِ الوقت.
خِتاماً، يُعدُّ فنُّ اللاتيه مزيجاً فريداً مِن الإبداعِ والحرفية، حيثُ يُحوَّلُ فنجانَ القهوة العادي إلى لوحةٍ فنيةٍ ساحرةٍ. ولعلّ سرّ جاذبيته يَكمن في قدرتهِ على تَحويلِ لَحظةَ احتساءِ القهوةِ إلى تَجربةٍ جماليةٍ مُتكاملة، تُنعشُ الحواس وتُثري المشاعر.