تستضيفُ العاصمةُ الفرنسيةُ هذا العام أحداثَ الألعابِ الأولمبية والتي لا تُعدّ فقط حدثاً رياضياً عالمياً مهم بل أيضاً فرصةً للتعارف والاختلاط بين الثقافات المتنوعة, ولتجربةِ مُختلف الأطعمة والمشروبات المميزة, منها القهوة الفرنسية الفريدة. في هذا المقال سنخوض رحلةً عبر الزمن لنستكشف المقاهي العريقة التي تقع في قلب الحياة الفرنسية, ومدى ارتباطها بثقافة وتاريخ المجتمع الفرنسي.
مُنذ القرن الثامن عشر في أوروبا, كانت المقاهي مركزاً يتلاقى فيها المثقفون والفنانون والمفكرون لتبادلِ الأفكار ووجهات النظر وإيجاد الإلهام ونشر المعلومات التي كان لها أثراً كبيراً على المشهد الثقافي في مختلف مناطق أوروبا, ولاسيما في عهد الثورة الفرنسية وفي ظل الاضطرابات التي شهدتها بنية المجتمع. حيثُ وفّرَ المقهى مساحةً للمناقشات السياسية والاقتصادية الحاسمة حول مجريات ذلك الوقت.
- أول مقهى فرنسي:
تم افتتاح أوّل مقهى فرنسي في باريس عام 1672. وبحلول عام 1720 كان هناك ما يقرب 300 مقهى في باريس وحدها, وهو العدد الذي ارتفع إلى 2000 مقهى بحلول نهاية القرن الثامن عشر. قدّم المقهى الإلهام والتغذية للفنانين والمفكرين، وعزز روح المجتمع والمحادثة والإبداع التي شكلت الحياة الباريسية والثقافة الفرنسية.
- جولة حول أعرق مقاهي باريس:
- مقهى بروكوب Le Procope:
يشتهر مقهى بروكوب بكونه أقدم مقهى في باريس يعملُ بشكلٍ مُستمرٍ مُنذ عام 1686. تم تصميم مقهى بروكوب على غرار المقاهي التقليدية في الشّرق الأوسط وغرب آسيا، واعتادَ على زيارته عملاء من نخبة المفكرين، بما في ذلك فولتير، وروسو، وديدرو، مما يزيد من جاذبيته. مع المرايا الحديثة والطاولات الرّخامية، امتَلَكَ بروكوب جميع العناصر اللازمة لإنشاء مقهى كبير انطلقت منه أصول جميع المقاهي الباريسية اللاحقة.
- مقهى لي دوكس ماجوت Les Deux Magots:
في قلب سان جيرمان دي بري، يقع مقهى Les Deux Magots، وهو ركنٌ سحريٌ في باريس حضن بعضاً من أهم الفنانين والمفكرين في القرن العشرين منذ عام 1885. وكان الوجوديون والسرياليون يترددون على هذا المقهى، بما في ذلك سيمون دي بوفوار وجان بول سارتر، الذي عاش بالقرب من هناك. وقد أنشأ مقهى Les Deux Magots جائزته الأدبية الخاصة في عام 1933، الأمر الذي يشهدُ على تاريخه الفكري الغني.
- كافيه دي فلور Café de Flore:
على بُعد مبنى واحد فقط من مقهى Les Deux Magots، يتواجد واحد من أشهر المقاهي الكبرى في باريس, Café de Flore. تأسس المقهى عام 1870، وتفوق في النهاية على منافسه Les Deux Magots في الشهرة. ولليوم, يرتاد المقهى نخبة من مشاهير الموضة للاستمتاع بتراثه الأدبي والفلسفي والفني.
- مقهى لا روتوند La Rotonde:
يجتذب مقهى لا روتوند في مونبارناس، الذي تأسس عام 1911، الفنانين والمثقفين بسياسته الفريدة المتمثلة في قبول الرسومات على المناديل مقابل القهوة. وكان دييغو ريفيرا وبابلو بيكاسو من بين الفنانين الذين زينت أعمالهم جدرانه. كما أن قرب La Rotonde من استوديو بيكاسو جعل منه مكاناً طبيعياً للمجتمع الفني في مونبارناس.
- مقهى لا كوبول La Coupole:
تم افتتاح La Coupole في عام 1927، وقد برز بشكل كبير في حقبة Années folles في باريس، حيث استضاف شخصياتٍ بارزةٍ مِن مثلِ همنغواي وميلر وبيكاسو وماتيس. وقد ترددّت الفنانَة الشّهيرة جوزفين بيكر على المقهى مما زاد من جاذبيته كمركز للنشاط الفني والفكري.
- مقهى فوكيه Fouquet:
تأسس مقهى Fouquet عام 1899 في زاوية شارع الشانزليزيه وشارع جورج الخامس, وقد عُدّ منذ فترة طويلة مكاناً مفضلاً للقاء الباريسيين العاملين في السينما، حيث يستضيف حفلات العشاء بعد احتفالات جائزة سيزار.
لايزال المقهى الباريسي منذ ذروة سارتر وبوفوار إلى يومنا هذا يجسد الفكر والإبداع المحلي, ومساحة خاصة تجعل السحر ممكناً, ويتواصل فيه الحلم والإبداع على أرضية الإلهام, جنباً إلى جنب مع فنجان من القهوة الفرنسية الغنية الساحرة المذاق, مما يجعله وجهةًً تستحق التجربة.